الأحد، 14 يوليو 2013

حكاية الرسائل


بعض الأسئلة لا نعرف إجاباتها حتى نُسأل عنها، وهكذا كان الحال هناك.

ربما الآن أستطيع القول إن الرسائل هي من حببت الكتابة إليَّ وكرَّهتها. الرسائل حرية وقيد، بوح وكتمان، صلة وقطع، قرار ولا قرار، نفسي وشبيهتها والنقيضة.

أول من راسلته على قُربه كان أبي، كان عطوفًا وهادئًا، متفهِّمًا ومتفاهمًا، لكن، لدينا صفة وراثية مشتركة تجعل الكلام مشافهة عسيرًا عندما يتعلق الأمر بالمشاعر والأحاديث الدرامية، فكنتُ أدَّخرها وأكتبها له في بضع ورقات، أجتهد لأحسِّن خطي، وأستخدم ما تعلمته حتى ذلك الحين من أساليب البيان، أراجع ما كتبت، وربما شققت ورقة تلو ورقة حتى أصل إلى النتيجة المرجوَّة، ثم أضع الرسالة في مكان قريب من يديه وعينيه، ثمَّ أغوص في فراشي. يأتي ويقرأ الرسالة، نمسي ونصبح، ولا نتحدث بشيء من أمر المكتوب إلا إلماحًا ممهورًا بابتسامة رضى وحيرة.

لا أدري أيهما يحزنني أكثر، عجزي عن إرساله المزيد من الرسائل، أم فقدي لتلك التي أرسلتها له في السابق. جميعها احترقت، وهذا محزن حقًا.

لم أكف عن إرسال الرسائل التي لا تصل، وظلَّت الحال كذلك حتى حدث شيء ما في أوائل العام 2011، طُلب إليَّ أن أكتبها فأبيت، ربما كنتُ قد اكتفيتُ من البعد الذي تمثله الرسائل وتوجبه، فأعرضتُ عنها وعن صاحب الطلب، إلى أن أعرضَ فعدتُ أرسل إليه، ولا أتلقى جوابًا.

إلى هنا، كانت الرسائل تقليدًا موحشًا وكئيبًا، وإن كنتُ قد حظيت ببعض المراسلات الماتعة في بعض الأوقات، حتى شرعت في أكتوبر 2012 أكتشف عالمًا جديدًا من الرسائل، دخلته من باب عجزي وانغلاقي على الوهم.

رسائل لبنى.. عندما جلست وحيدة على الكورنيش بعد عصر ذلك اليوم، أتنفس ما وسعني التنفس، وأجر قلمي على المساحات البيضاء القليلة المتبقية في الورق المستهلك الذي كان بحوزتي آنذاك، أكتب ما زعمت أنه رسالة إلى الفتى الحلم* أو من يشبهه، رسالة لم تفك عني قيودي، وإنما حصرتني داخل الدائرة المغلقة ذاتها؛ الحلم ولا شيء أكثر. ربما نظرتُ عندها إلى الأفق بأسًى وقد غابت الشمس، وعلمت أنني لن أرسلها إليه -ولو تحت اسم مستعار، وقررتُ أن أرسلها إلى الجميع بدلًا منه.

عدتُ إلى البيت، ونشرت الحالة الشهيرة، وفجأة أصبحت الرسالة التي "إلى لا أحد" رسالة إلى العشرات، وتوالت عليَّ عشرات الردود الدافئة والحقيقية "حقيقية أكثر من الفتى الوهم"، الصديقات والأصدقاء أبهجوني وامتلأت بهم شغفًا وشجنًا، وسرعان ما لمعت فكرة أن أنشر رسائلهم دفعة واحدة، حرَّضني على ذلك شيء قالته جهاد نجيب وآخرون، فشاورت إحدى أختيَّ في الأمر، وأطلقت العنوان "رسائل لبنى" على سبيل التهكم في البداية، ثمَّ نفذت ما انتويته سريعًا، وتفجَّرت الرسائل.

تكررت تجربة الرسائل الجماعية بطرق مختلفة، فكانت رسائل الغرباء، والرسائل الحرة، ورسائل الاعتراف. فضلًا عن تلك التي تبادلتها مع بعضهم ونشرتها على مدونتي الرئيسية أو أسررتها في صناديقنا البريدية، وبالطبع لم تتوقف الرسائل ذات الاتجاه الواحد، وإنما قلَّت وطأتها، ولعل أطرفها هي تلك التي أرسلتُها إلى الشاعر أحمد بخيت في عيد ميلاده، تلقَّاها بالفعل، لكنه -على الأرجح- ظنني مجنونة أو مخرِّفة فلم يعِرها اهتمامًا.

هناك 3 تعليقات:

  1. :)
    حتى لو بداية الرسائل كانت في الأصل حالة شخصية, بس يكفي إنك حببتينا في الحالة وخلتينا نطلع اللي جوانا ونبدع :)

    شكرا كثيرا يا لبنى :)

    ردحذف

  2. أول من راسلته على قُربه كان أبي، كان عطوفًا وهادئًا، متفهِّمًا ومتفاهمًا، لكن، لدينا صفة وراثية مشتركة تجعل الكلام مشافهة عسيرًا عندما يتعلق الأمر بالمشاعر والأحاديث الدرامية

    :)))))

    ردحذف
  3. الرسائل على كل اشكالها هى حاله من الشجن والبوح وترك الكلمات تتراقص على سطور الى مالا نهايه
    نكتب لمن يفهمنا
    نكتب لمن يقرأ مابين السطور
    نكتب لغريب حين لا نستطيع البوح لقريب

    ردحذف